أمريكا وايران يحبطان الإطاحة بالعبادي ويدعمانه في “محاربة الفساد”

دخلت الولايات المتحدة وإيران في تحالف ضمني، لدعم رئيس وزراء العراق وهو يتحدى النخبة الحاكمة بخطط لتشكيل حكومة من غير السياسيين، يتصدى بها لفساد يأتي على ما تبقى من استقرار اقتصادي وسياسي في البلد العضو في منظمة البلدان مصدرة للبترول “أوبك”.
ونشرت “رويترز” تقريرا مفصلا، جاء فيه، كانت الأصوات تتعالى في الداخل مطالبة بتنحي رئيس الوزراء حيدر العبادي، ومنها صوت سلفه نوري المالكي، بينما كان هو يسعى لتعديل وزاري يهدف للوقوف في وجه الفساد الذي أصبح قضية رئيسية بعد انهيار أسعار النفط في 2014، والذي أثر بقوة على موارد الحكومة التي تشن حملة مكلفة للتصدي لتنظيم داعش.
ويقول سياسيون ودبلوماسيون ومحللون، وفقا لـ”رويترز”، إن “الخصمين العتيدين واشنطن وطهران، مارستا ضغوطاً على حلفائهما بالعراق، كي لا يسعوا لتنحية العبادي، في وقت يسعى فيه لتشكيل حكومة تكنوقراط”.
وذكرت مصادر قريبة من الأمر، أن “المساعي الأمريكية والإيرانية، ساعدت على وأد محاولة في الأسبوع الماضي، لإبعاد العبادي عن منصبه، قام بها المالكي، الأمين العام لحزب الدعوة الذي يسيطر على حوالي ثلث مقاعد البرلمان، وينفي المالكي قيامه بمثل هذه المحاولة”.
أكاديميون
وقدم العبادي للبرلمان قائمة تضم 14 اسماً، كثيرون من أصحابها أكاديميون، في خطوة تهدف لتخليص الوزارات من براثن نخبة سياسية استغلت نظام الحصص العرقية والطائفية الذي أرسي بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، في تكوين الثروات والنفوذ بطرق ملتوية.
وأحدثت تلك الخطوة التي تهدف إلى إضعاف شبكات المحسوبيات التي تبقي على الثروة والنفوذ في أيدي الصفوة، صدمة في المؤسسة السياسية التي تحكم العراق منذ الإطاحة بصدام حسين، ومنها حزب الدعوة الذي ينتمي إليه العبادي نفسه، والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي والائتلاف الكردي.
وكانت هذه الجهات بعد انتخاب العبادي للمنصب قبل عامين، تريد أن يكون لها قول فصل في كيفية تشكيل الحكومة.
وقالت مصادر على دراية بسير الأمور إن “نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، أوضحا بالفعل قبل الإعلان عن التشكيل الوزاري العراقي الجديد، أنه ينبغي عدم القيام بأي محاولة لتنحية العبادي، حفاظاً على قوة الدفع في الحرب على تنظيم داعش”.
ورغم أن أراضي العراق تحوي بعضاً من أكبر الاحتياطيات النفطية في العالم، يعاني أبناؤه البطالة وانقطاع الكهرباء وسوء الخدمات العامة، مما زاد من مشاعر الاستياء من الفئة الحاكمة التي تنهال عليها الاتهامات بتبديد الإيرادات التي تحققت خلال نحو 10 سنوات شهدت ارتفاعاً في أسعار النفط.
ويأتي العراق في المرتبة 161 من بين 168 دولة على مؤشر منظمة الشفافية الدولية للفساد.
وبعيداً عن الولايات المتحدة وإيران، نال العبادي أيضاً تأييداً من مصادر قوية في الداخل، فالمرجعية الشيعية العراقية آية الله العظمى علي السيستاني، بارك قيامه بإصلاحات بعد احتجاجات بالشوارع تطالب بتحسين الخدمات العامة.
ويقول سياسيون ومحللون إن “مساندة السيستاني له لم تتزعزع، وإن كان قد خاب ظنه حين لم يتخذ رئيس الوزراء إجراء حاسماً”.
في السر والعلن
وقبل ساعات من إعلان العبادي عن تشكيلته الوزارية الجديدة، أشار المالكي إلى أن رئيس الوزراء قد يطاح به بموافقة تكتلات أخرى، وذلك حسبما صرح مسؤولون كبار.
وقال وزير التعليم العالي في الحكومة المنتهية ولايتها حسين الشهرستاني، إن “المالكي كان يطالب بتغيير كامل لمجلس الوزراء يشمل العبادي نفسه”.
وذكر النائب الشيعي البارز موفق الربيعي، أن “الأمر بلغ بالمالكي حد أنه كان مستعداً لقبول أي شخصية تحل محل العبادي، حتى ولو من خارج حزب الدعوة”.
وقال دبلوماسي غربي إن “المساعي الأمريكية لضمان عدم سقوط العبادي كانت “حثيثة” في الأيام التي سبقت إعلان الخميس”.
وقال الربيعي إن “الأمر يتطلب استمرار هذا خلال الأسبوع الحالي لاقتناص موافقة الأكراد والسنة على الحكومة الجديدة”.
وقال سياسي شيعي، إن “سليماني اجتمع مع ممثلين للمالكي ومع عمار الحكيم زعيم المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، لتجنب إزاحة العبادي عن منصبه”.
نجم الصدر الصاعد
وتشجع العبادي في اتخاذ خطوة تغيير وزرائه، بعد ضغوط أنصار رجل ديني شيعي قوي آخر هو مقتدى الصدر.
وسرعان ما كسر الصدر، الذي بزغ اسمه قبل عشر سنوات حين قاتل أتباعه القوات الأمريكية، دائرة الصمت، إذ حشد أنصاره للاعتصام عند مدخل المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد، والتي تضم سفارات ومقر الحكومة ومبنى البرلمان.
ثم بدأ هو نفسه اعتصاماً لمدة 5 أيام في خيمة داخل المنطقة الخضراء، لإرغام العبادي على تشكيل حكومة تكنوقراط، وحذر القيادات الحزبية من أنها ستواجه احتجاجات بالشوارع إن هي اعترضت سبيله.
وقال نائبان إن “العبادي توجه إلى البرلمان يوم الخميس، يحمل تشكيلاً وزارياً كاملاً في يد، وتعديلاً جزئياً في اليد الأخرى، وبعد لقاء دام ساعة ونصف الساعة مع رئيس البرلمان، خرج بقائمة التعديل الوزاري الشامل وطلب من النواب قبولها أو رفضها أو تعديلها”.
وفي التو أنهى الصدر الاعتصام بكلمة من خيمته، أشاد فيها بخطوة رئيس الوزراء ووصفها بأنها خطوة شجاعة.
ولم تسعد معظم الجماعات السياسية بالترشيحات التي طرحت دون التشاور معها فيما عدا التيار الصدري، الذي رأى أن قائمة العبادي قابلة للتعديل ما دام المرشحون الجدد غير منتسبين لأحزاب سياسية.
اترك تعليقاً