حقيقة الناس بين القيل والقال

سمير السعد
في مجتمعاتنا، تنتشر الأحاديث عن الآخرين كما تنتشر النار في الهشيم، وغالبًا ما تتشكل صورة أي شخص بناءً على ما يُقال عنه قبل أن تتاح لنا فرصة التعرف عليه عن قرب. نسمع تحذيرات، تُنسج حول بعض الأشخاص قصص مليئة بالسلبيات، ونُخدع أحيانًا بالاعتقاد بأنهم الأسوأ بين الناس. لكن المفارقة الكبرى تظهر عندما نلتقي بهؤلاء ونكتشف أنهم أروع مما كنا نتوقع، بل وربما يكونون أكثر نقاءً وأخلاقًا من أولئك الذين حذرونا منهم.
هذه الظاهرة ليست مجرد صدفة، بل تكشف عن طبيعة خفية في النفس البشرية، حيث يميل بعض الأشخاص إلى تشويه سمعة الآخرين لأسباب مختلفة، منها الغيرة أو الخوف من المنافسة أو حتى مجرد حب النميمة. فليس كل من ينقل لنا أخبار الآخرين صادقًا أو نزيهًا، بل إن بعضهم لا يهدف إلا إلى زرع الشكوك وبث الفتن. والمفارقة الأكثر إيلامًا أن هؤلاء الناقلين للأحاديث غالبًا ما يظهرون بوجه نقي ومثالي، يتقنون فن التلاعب بالكلمات، فيصورون أنفسهم كأوصياء على الأخلاق بينما يسيئون للآخرين دون وجه حق.
كم مرة خُدعنا بمظهر شخص يدّعي الطيبة والاستقامة، لكنه كان يخفي وراءه نوايا خبيثة؟ وكم مرة ظننا أن شخصًا سيئًا بناءً على ما سمعناه، ثم اكتشفنا أنه يحمل قلبًا نقيًا ونفسًا صافية؟ التجربة وحدها هي التي تزيل الغشاوة، وهي التي تكشف لنا المعادن الحقيقية للناس بعيدًا عن التشويش الذي يسببه القيل والقال.
المشكلة لا تكمن فقط فيمن يختلقون الأقاويل، بل فيمن يصدقونها دون أدنى محاولة للتحقق. في مجتمع يعج بالشائعات، يصبح الحكم على الأشخاص مسبقًا ظلمًا غير مبرر، بل قد يتحول إلى سلاح يقتل سمعة إنسان بريء. من السهل أن نسمع، لكن الأصعب أن نتحقق. ومن السهل أن ننقل الحديث، لكن الأصعب أن نقف أمام موجة القيل والقال ونرفض أن نكون جزءًا منها.
في النهاية، لا يجب أن نسمح لأحاديث الآخرين أن تشكل وجهة نظرنا عن الناس. وحدها المعاشرة الحقيقية والتجربة المباشرة يمكنها أن تكشف لنا من هو الصادق ومن هو المنافق. ربما يكون الشخص الذي حُذرنا منه هو أفضل من الناقل نفسه، وربما يكون “الناصح” هو من يستحق الحذر.
اترك تعليقاً