الدحدوح.. أيقونة الصحافة في التضحية والصبر

يحيى الزيدي
لم يشهد التأريخُ الصحفيّ حالةً كحالةِ الزميل وائل الدحدوح بالثباتِ والتضحية والصبرِ على الابتلاء.
لقد فقدَ الدحدوح ابنه البكر حمزة البالغ من العمر 27 عامًا في 2024/1/7، بقصف صهيوني، كما فقدَ من قبل ذلك زوجته وابنه محمود البالغ من العمر 16 عاما، وابنته شام ذات الأعوام الستة، وكذلك حفيده آدم وهو رضيع قدِمَ إلى الدنيا قبل 45 يوما فقط، بقصفٍ صهيوني في 25 تشرين الأول / أكتوبر ، كما تعرّض الدحدوح لإصابةٍ جرّاء قصف صهيوني في 15 كانون الأول / ديسمبر أودى بحياةِ زميله المصوّر سامر أبو دقة.
الدحدوح كان على الهواءِ يغطي الأحداثَ الساخنة في غزة عندما جاءه الخبر الصادم، حيث كانت عائلته التي نزحت كغيرها إلى منطقةٍ ظنتها آمنةً هدفا للقصف، وانضمت إلى قائمةِ الشهداء في قطاع غزة.
بينما كان الدحدوح يغالبُ دموعه، حرصَ على القول إنها دموعٌ إنسانيةٌ لا دموع جبن وانهيار، قبلَ أن يضيف “فليخسأ الاحتلال”.
هنا، وفي هذا الموقفِ الصابر والمحتسب للدحدوح وما يمر به الآن، تذكرت مقولةَ سيدنا الإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام ورضي الله عنه” الشهيرة عن الصبر: «سأصبر حتى يعجز الصبرُ عن صبري، سأصبر حتى ينظر الرحمنُ في أمري، سأصبر حتى يعلم الصبرُ أني صبرت على شيءٍ أمرّ من الصبر».
نعم .. الدحدوح شأنه كشأن كل الفلسطينيين عانى الكثيرَ بسبب الاحتلال الصهيوني، فقد قضى في سجونه 7 أعوام من عمره بعدما تمّ اعتقاله عام 1988 بسبب مشاركته في الانتفاضةِ الفلسطينيّة الأولى.
وبعد خروجه من السجنِ استكمل دراسته بالجامعةِ الإسلاميّة في غزة، وحصلَ على درجةِ البكالوريوس في الصحافة والإعلام عام 1998، وعندما حاول السفرَ خارج فلسطين من أجل استكمال دراسته كان الاحتلالُ له بالمرصاد، لكن منعه من السفر لم يحل دون حصوله على الماجستير من جامعةِ أبو ديس بالضفةِ الغربية.
وبدأ الدحدوح حياته المهنية مراسلا لعدةِ وسائل إعلام فلسطينية قبل أن يلتحقَ بمكتبِ الجزيرة في فلسطين مراسلا ابتداءً من عام 2004، ثم أصبح مديراً لمكتب الجزيرة في غزة.
وعلى مدار السنين شاركَ الدحدوح مع زملائه في تغطيةِ كل الحروب التي شهدها هذا القطاع المحاصر، وخلال هذه الحروب فقدَ نحو 20 من أقاربه بينهم إخوته وأبناء عمومته.
وفي حوارٍ صحفيّ سابقٍ للدحدوح، قال “دور الأب مفقود في مهنةِ الصحافة.. فعندما يحتاجك أولادك يفتقدون وجودك، وهذا شيءٌ مؤلمٌ جدا”.
أقول .. تكاد لا تمرُّ ساعة منذ بدءِ الحرب على غزة إلا وتنتشر صورٌ وقصصٌ مرعبةٌ عن حجمِ الضحايا، والتي أغلبها من الأطفال والنساء.. أطفال عالقون تحتَ الحطام، وبعضهم أصيبوا إصاباتٍ بالغةً، وآخرون قتلوا بوحشيةِ الاعداء .
صورٌ تختزلُ حكاياتٍ، كأمٍ تبحثُ عن ابنها وبنتها، لكن صاروخاً صهيونياً استهدفهم وقتلهم بدمٍ باردٍ .. أطفالٌ يرتجفون من الخوف قبل أن ينفجروا بالبكاءِ بعدما غمرهم المسعفون .. طفلةٌ تئن من ألمِ جروحها وهي على سريرِ المستشفى تسأل عن أمها وأبيها واخوتها ماذا حلَ بهم .. وطفلٌ ينجو من القصفِ يستعينون به للتعرُّفِ على جثثِ عائلته بعدما أبيدت بالكامل.
تضحيات الفلسطينين في هذه الحرب كبيرةٌ على مدى 96 يوما ، حيث ارتكب جيشُ الاحتلال الصهيوني نحو 2000 مجزرة لغاية الآن خلفت أكثرَ من 23 ألف شهيد، يضاف إليهم 7 آلاف في عداد المفقودين، و 59.410 مصابين.
وبذلك يكون الإجمالي أكثرَ من 30 ألف شهيد ومفقود، من بينهم 10 آلاف طفل شهيد، و7 آلاف شهيدة من النساء.
أما عددُ الشهداء الصحفيين فقد ارتفع إلى 115 صحفيا وصحفية منذ بدءِ حرب الإبادة الجماعيّة على قطاع غزة في (7 أكتوبر).
وفي الختام أقول.. رحم اللهُ عائلةَ الزميل الدحدوح، وشهداء غزة أجمعين، وأسكنهم فسيح جناته، والشفاء العاجل للجرحى، والصبر والسلوان للعوائل التي فجعت باستشهادِ الآباء والأمهات والأبناء والبنات والأطفال.
اترك تعليقاً