مركز الحضارة الإسلامية في أوزبكستان يقترب من الافتتاح الكبير

عبدالحميد حميد الكبي
تستعد العاصمة الأوزبكية طشقند لاستقبال واحد من أبرز المشاريع الثقافية في العالم الإسلامي، حيث يدخل مركز الحضارة الإسلامية مرحلته النهائية من البناء، ليصبح منارةً تحتفي بالتراث العريق لأوزبكستان والحضارة الإسلامية. هذا المشروع الطموح، الذي بدأ بموجب مرسوم رئاسي صادر في 23 يونيو 2017، شهد وضع حجر الأساس خلال شهر رمضان عام 2018، ويستعد الآن ليصبح وجهةً عالميةً تجمع بين التاريخ، العلم، والثقافة.
في 29 أغسطس 2025، قام الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيائيف بزيارة تفقدية للمركز، حيث اطلع على أعمال التشطيب النهائية وتجهيز المرافق. وأشاد الرئيس بالتقدم المحرز، مؤكداً أن المركز سيكون جسراً لنقل التراث العلمي والثقافي لأوزبكستان إلى العالم. وقال: “أوزبكستان لها تاريخ عريق، وتراث أجدادنا ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ البشرية. أنا على ثقة بأن هذا المركز سيلعب دوراً مهماً في إيصال هذا الإرث إلى المجتمع الدولي.”
حيث يتميز المركز بتصميم معماري مبهر مستوحى من الآثار التاريخية للمنطقة، حيث تتزين واجهاته بالقباب الشامخة والبوابات الوطنية المزخرفة بزخارف تقليدية تعكس الإبداع الفني للحضارة الإسلامية. يتوسط المجمع قبة رئيسية بارتفاع 65 متراً، تحيط بها بوابات يصل ارتفاعها إلى 34 متراً على الجوانب الأربعة، مما يضفي على المبنى هيبة وجمالاً يجمعان بين الأصالة والحداثة.
وتشكل قاعة القرآن الكريم الركيزة الأساسية للمركز، حيث ستحتضن المصحف العثماني العتيق، أحد أهم الآثار الروحية في العالم الإسلامي. كما ستعرض القاعة نسخاً نادرة مكتوبة بخط اليد من القرآن الكريم تعود إلى عصور السامانيين، القراخانيين، الخوارزمشاه، الأوزبك خان، والتيموريين، إلى جانب ترجمات باللغة الأوزبكية القديمة ومخطوطات فريدة من مجموعات عالمية. وقد قدم الرئيس توصياته لتصميم القاعة لضمان عرض هذه الكنوز بما يليق بقيمتها الروحية والتاريخية.
كذلك سيضم المركز معارض متنوعة تأخذ الزوار في رحلة عبر الزمن، تشمل: “الحضارات قبل الإسلام”، “النهضة الأولى”، “النهضة الثانية”، “أوزبكستان في القرن العشرين”، و”أوزبكستان الجديدة – نهضة جديدة”. تعرض هذه المعارض القطع الأثرية، المخطوطات، الصور، ومواد الوسائط المتعددة التي تسلط الضوء على إسهامات علماء ومفكرين عظماء مثل الخوارزمي، الفارابي، ابن سينا، البيروني، ميرزو أولوغ بيك، وعلي شير نوائي. كما يبرز المركز دور علماء الدين البارزين مثل الإمام البخاري، الإمام الترمذي، وأبي منصور الماتريدي في تطوير التعليم الإسلامي.
لم يغفل المركز عن تسليط الضوء على إسهامات النساء اللاتي تركن بصماتهن في التاريخ الأوزبكي والإسلامي. ستُعرض قصص شخصيات مثل بيبيخانوم، خونزودا بيجيم، ونوديرا بيجيم، اللواتي كن راعيات للعلم والثقافة، مما يبرز الدور الريادي للمرأة في بناء الحضارة.
يهدف المركز إلى أن يكون منصة عالمية لدراسة التراث الحضاري بعمق، مع خطط للتعاون مع الأكاديمية الإسلامية الدولية في أوزبكستان ومراكز علمية عالمية تحمل أسماء علماء بارزين مثل الإمام البخاري والإمام الترمذي. هذا التعاون سيسهم في إيجاد حلول علمية لتحديات العصر الحديث، مع الاستفادة من الإرث التاريخي كقوة دافعة.
ويضم المركز قاعة مؤتمرات متطورة تتسع لـ460 شخصاً، مجهزة بأحدث التقنيات لاستضافة المنتديات والمؤتمرات الدولية. كما تتكامل المرافق التجارية والخدمية المحيطة بالمركز لتعزيز السياحة الثقافية في أوزبكستان، مما يجعله وجهة جاذبة للزوار من مختلف أنحاء العالم.
خلال زيارته، أعرب الرئيس شوكت ميرضيائيف عن إعجابه بالجهود المبذولة على مدار ثماني سنوات، قائلاً: “لقد أنجزنا هنا عملاً هائلاً. شيدنا مركزاً رائعاً لا يُضاهى في عمقه ومضمونه. كل زائر سيخرج من هنا بشحنة روحية قوية، وشعور بالفخر بتاريخ شعبنا العريق وإسهامات أسلافنا.” وأكد على أهمية تنظيم عمل المركز وإثراء محتواه باستمرار ليظل رمزاً حياً للثقافة والعلم.
مع اقتراب افتتاح مركز الحضارة الإسلامية، تتجه الأنظار نحو أوزبكستان كمركز عالمي للثقافة والتراث الإسلامي. هذا المشروع ليس مجرد مبنى، بل رؤية طموحة لإحياء الماضي العريق وصياغة مستقبل مشرق يعكس إرث أوزبكستان العظيم.
اترك تعليقاً