ما الذي يحدث في الناصرية ، ولماذا الناصرية بالذات وهل هناك صراع سياسي دولي واقليمي ومحلي عليها وهل لزيارة البابا دخل بتأجيج الأوضاع
#بقلم_عبد الحسين القصاب
26/ شباط فبراير/ 2021
ماذا تعني الناصرية : الناصرية تعني ( أور ) مولد النبي أبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء أصحاب الرسالات السماوية السمحاء ..
الناصرية : هي مركز محافظة ذي قار ، وتعني الأدب والفن والسياسة والشعر والشعراء ، وتعني التاريخ ، وتعني الثقافة ، وتعني التسامح والكرم والطيب ، وتعني الأديان والعيش المشترك ، وتعني الإباء والبطولة والأستبسال والشهداء ..
ماذا تعني الناصرية : تعني المدينة التي عمرها أكثر من 3000 سنة ، وتعني المدينة التي علمت العالم الحرف الاول ، وعلمتهم القراءة والكتابة ..
وتعني أجيالا من المناضلين ضد حكام العراق الطغاة ، فمنها تبدأ شرارات الثورات ، ولكن وللأسف اليها ترتد أيادي البغي والآثام ، هذه حالها وحال دورات الحياة السياسية في العراق ..
وهكذا دواليك تبقى هذه المدنية نسيا منسيا تعاني من التهميش والأهمال ، لتبقى وصمة عار على كل السياسيين الذين تسلقوا على اكتاف أهلها ، فمنذ تولي طاغية العراق صدام حكم بغداد ولغاية تولي ذولي القربى في الدين والمذهب ، لازالت تعاني نفس المعانات ..
وماذا تعني الناصرية أيضا : بكل بساطة تعني الفقر المدقع والمعدمين ، فنسبة العاطلين فيها من الخريجين وغير الخريجين 100% ونسبة الفقر والفقراء فيها حسب أخر أحصائية لوزارة التخطيط 50% أي الثانية من بين محافظات العراق بعد محافظة المثنى البالغ عدد نسمتها 700،000 نسمة والتي جاءت بالمرتبة الأولى ب 52% ، وذي قار الأولى على العراق بالنسبة لعدد الناس الفقراء قياسا بعدد السكان .
فعدد نسمة ذي قار يساوي عدد نسمة محافظات بابل والديوانية والمثنى من ناحية عدد السكان ، حسب آخر أحصائية لوزارة التخطيط ان نسمة ذي قار قد تعدى عدد سكانها نصف عدد سكان أقليم كردستان الذي يستحوذ على 55% من موازنة العراق الذي ﻻيشترك بناقة ولا جمل ولا يدفع مالا ولا دما لهذا الوطن ، بينما لم تحصل هي على 1% من موازنته ..
وأن مركز محافظتها (الناصرية) لوحده قد تجاوز المليون ونصف نسمة من أصل مليونين ونصف نسمة يسكنون عموم المحافظة ، بسبب نزوح أبناء أقضية وقرى وقصبات محافظاتها وتركهم لأراضيهم منذ ثمانينات القرن الماضي ، أي منذ توطين العسكريين وعوائل شهداء حرب العراق مع أيران في مركز المحافظة في الناصرية ، ثم جاءت بعدها موجة النزوح الكبرى في العام /1991 حين قام الطاغية بتجفيف الأهوار ..
وبسبب هذا الأستهداف لهذه المحافظة بالذات ، وهذا النزوح أنتشرت العشوائيات ، الذي عززته أحزاب السلطة وتياراتها التي لم تنبري يوما لمناقشة هذه المعضلة ، بل على العكس إذ أنها لم تفكر يوما برفع الظلم والحيف عنهم ، وكانت سدا منيعا لحرمان المواطنين من حقوقهم ، فمنعت توزيع الأراضي عليهم بحجة الأستخدام السياسي ، بينما أستأثرت احزابهم وتياراتهم وأعضاء كوادرهم بالأراضي السنتر الباهضة الثمن ..
وهذا الذي تسبب بفقدان الناصرية لهويتها الثقافية والمدنية والحضارية ، وسيطرة التخلف القبلي والعشائري والولاءات الحزبية عليها ، وحتى محاكمها أصبحت على الهامش بين المتخاصمين .
محافظة ذي قار التي تربط البصرة جنوبا والعاصمة بغداد مرورا بمحافظات الفرات الأوسط تبعد عن العاصمة ب 360 كيلو متر ، تقع شمال محافظة البصرة 200 كيلو متر ..
هذه المدينة لم يلتفت أليها ولا الى حجم السكان فيها فهي غير (حدودية) وغير (تجارية) أي لا توجد فيها منافذ برية ، وليست (صناعية) ، وحتى المعامل الموجودة فيها قد عطلتها القوى السياسية ونقلت موظفيها الى باقي الوزرات ، وغير (زراعية) فالمدينة فقدت هويتها الزراعية بعد أن جفف النظام البائد أهوارها وأنحسر الماء عن فراتها فقتل الزراعة فيها أسوة بباقي محافظات الفرات الأوسط ، وكذلك فهي مدينة غير (سياحية) ، إذ أن المعلم العالمي الوحيد إﻻ هو آثارها (أور) التي ولد فيها سيدنا أبراهيم عليه السلام معطل فيها منذ قرون من الزمان لأسباب سياسية ، أذن فأن فرص العمل فيها شبه معدمة ..
فما أن قربت زيارة البابا لهذا الصرح الديني الهام حتى تحرك الجوكرية الدخلاء لأثارة البلبة في المحافظة لإفشال تلك الزيارة خدمة لإسرائيل ، والتي يمكن أن تفتح لأبناءها آلاف من فرص العمل المفقودة على أيدي حكامه وقواه السياسية الفاسدة ..
فمن المستفيد من أثارة البلبة ؟؟
الناصرية التي سيطر على قرارها السياسي جحوش القوى السياسية المتصارعة على مقدراتها والأميين الجهلة ومطايا المخابرات الدولية والداعشية البعثية الذي تغلبوا على طابعها الحضاري والثقافي والديني متخلفة بكل ما للكلمة من معنى عمرانيا ، وتنمويا ، زراعيا ، وصناعيا ، وسياحيا ، بأستثناء الأسواق والمولات ومحطات التعبئة الوقود المسروق من الشعب التي أنشأتها الأحزاب ، فهي تعاني من التهميش والأهمال المزمن وانعدام التنمية فيها وقلة المدارس والمستشفيات ، وإنعدام الرعاية الصحية وإنعدام فرص العمل فيها وعدم تكافؤها ، على الرغم من سقوط الطاغية في ال 2003 وتغيير النظام ، والذين هم من اول من أسهم بهذا التغيير وكانوا لبنته الأولى .
في الناصرية خصوصا وذي قار عموما ، سحقت الطبقة الوسطى فيها وأنعدمت ، فالأسواق الحديثة والمولات التي أنشئها لصوص المال العالم وأن كانت ليس بأسماءهم ، قضى على أسواقها ومحلاتها وحوانيتها القديمة التي يعتاشون البسطاء منها حتى بات أصحابها يفرون منها الواحد تلو الآخر .
في الناصرية خصوصا وفي ذي قار عموما قلة من المثقفين الواعين الذين يعرفون حجم المؤامرة عليها ، ففي هذه المحافظة تجتمع كل الأضداد ، فهي تجمع الأحرار مع العبيد ، وتجمع الشريف مع الكسيف ، وتجمع المؤمن مع الملحد ، وتجمع المثقف مع الأمي الجاهل ، وتجمع الوطني النزيه مع الخائن العميل ، وتجمع المناضل مع الجوكر الأجير .
نعم ففي الناصرية يوجد عصابات من الجوكرية يسيطرون على الشارع من خلال (200 – 300 من الشباب الجهلة الأميين الأجراء) ، نعم أقولها بالفم المليان أجراء لقنوات إعلامية تغذيها مخابرات دولية تغريهم بكلمة ثوار وهم يعلمون بأنهم أجراء لعصبة من الجوكرية ، ولا يعرفون معنى للثورة أصلا ، فهم لم يخرجوا من أجل حقوق مسلوبة ، أو يخرجوا من أجل وطن مرتهن ولا من أجل شعب ضاع مستقبله .
ولم يخرج هؤلاء الثوار أستنكارا للغزو التركي ، ولا أستنكارا على الحكومة لتنازل عن سنجار لقطع طريق الحرير ، ولا أستهجانا لبيع الفاو وأمعان الطبقة السياسية بأذلال الشيعة وأفقارهم وضياع مستقبلهم ، ولا للمطالبة بخروج الدول المحتلة للعراق ، ولا لطرد الأحزاب التي تمثل تلك الدول ، ولا للمطالبة بحقوق الشيعة من الموازنة وألزام الحكومة بالعدالة بين مكونات الشعب العراقي ، بل يخرجون لتنفيذ مدير عام أو تغيير المحافظ ، فكل مافي الأمر هو أن أحد قادة القوى السياسية يروم ضم المحافظة للأقليم الشيعي لأنه أفكاره تتناغم مع الخطط المرسومة من قبل سيدهم الأمريكي جو بايدن صاحب نظرية تقسيم العراق ، ويتناغم مع الأحزاب العميلة التي تسعى لتمزيق العراق ، فهؤلاء لايعرفون أساسا الهدف من تظاهرهم ، ولماذا ، وعلى من ، ومن هي الجهة المستفيدة منه ، فهؤلاء الأجراء لا يتورعون عن كل شيء ولا ينتهون عند أي شي ، فكل همهم هو ماسيحصلون عليه من أجر فغالبيتهم لايتجاوز ثمن نضاله وتهديده لأمن المحافظة وأهلها 25000 دينار .
هؤلاء الثوار إعلاميا والأجراء عمليا ، أجراء لقنوات ومخابرات دول تعبث بالعراق ، فهل تزامن عبثهم هذا مع زيارة البابا للناصرية من أجل أفشال تلك الزيارة خدمة لإسرائيل …؟
أم أن هؤلاء الثوار (الأجراء) لأحزاب وتيارات سابقة ولاحقة وهم يعلمون علم اليقين بأنهم أجراء لها ، أجراء لنواب فاسدين هدفهم الأبتزاز أو التغطية عن قضية فساد كبرى مثل سرقة النفط وبيع المناصب وهم يعلمون جيدا بأنهم أجراء لهم ، أجراء لمقاولين وباعة مناصب وهم يعلمون بأنهم أجراء لهم ..
ولكن لا أحد بالمحافظة يستطيع القول لهم أنكم أجراء ..
فذي قار الفقيرة بأهلها والغنية بثرواتها وأرثها كانت ولا زالت مفقس ومولد أحزاب السلطة والحركات المنحرفة ، فالشطرة كانت موسكو الصغيرة ومنها أنطلق الحزب الشيوعي العراقي ، وسوق الشيوخ أنطلقت منه بذرة القوميين والعفالقة البعثية ، ولا ننسى في زماننا هذا عن توالد وتفريخ الحركات المنحرفة التي خرجت ولازالت تخرج من ثناياها ..
بأختصار شديد ففي ذي قار يوجد ثوار (للأيجار) ، ويوجد المثقف الوطني الواعي والمناضل الثائر الذي لن يتنازل عن مبادئه ولو قدمت له كنوز الأرض . وبمعنى أدق يوجد عصبة من الجوكرية الاجراء الذين يقودون قطيع من (الجهلة الأميين الفارغين المتحللين من كل القيم والأعراف) ، ويوجد فيها الوطنيين الشرفاء الذين لم ينحنوا لعاديات الزمن ..
فالناصرية دفعت ثمنا باهضا لنضالها ضد النظام البائد ولا زالت تدفع لمن خانها وخان الدين والوطن ، إذ أنها لم تستفق بعد من صدمتها الكبرى بأنتخاب قوى سياسية دينية تبين أنها أفسد من الفساد نفسه (طلعت ريحتها وفاحت قذارتها) وأوغلت بفقر أهلها ، أستغلتهم سابقا ولازالت تستغل الجهلة الأميين فيهم ، فهي من تسبب للمحافظة كل هذا الانحدار ، فرموز السلطة الفاسدة هذه قد تجاهلتهم ولازالت تتجاهلهم وراحت تبحث عن مغانمها ونسوا أن ثقل أهالي هذه المحافظة هو من جاءوا بهم للسلطة ، فما زالوا يستبيحون حقوقهم ، وأسهموا أسهاما مباشرا بهذا الوضع وهذا الإنحدار ..
بقلم عبد الحسين القصاب