الادوات الرقابية لمجلس النواب
محمد عبد الجبار الشبوط
اثارت محاولة بعض النواب الجدد زيارة وزارة المالية وفشلهم في مقابلة وزير المالية الكثير من النقاشات حول الهدف من هذه الزيارة، وهل هذا من حق النواب، او ضمن اختصاصاتهم.
واذا كان الحديث هو عن “الحق في الزيارة لغرض الاطلاع” بالمعنى العام، فاعتقد ان هذا من حق كل مواطن، بما فيهم النواب بوصفهم مواطنين لا غير. فليست دوائر الدولة حصونا وقلاعا يحرم الدخول اليها اصوليا.
لكن الحديث اخص من هذا المعنى العام، ويتعلق بحق النواب بالقيام بجولات تفتيشية او تحقيقية في دوائر الدولة بعنوان “الرقابة”. فهل تندرج هذه الزيارات ضمن هذا العنوان الوارد في الدستور؟
المادة (61) حددت اختصاصات مجلس النواب، اي الوظائف التي على مجلس النواب القيام بها حصريا، بدلالة نص المادة التي تقول “يختص مجلس النواب بما يأتي”. وهذا النص يفيد الحصر ولا يجوز تجاوزه من قبل مجلس النواب او النواب حتى مع القول ان مجلس النواب هو اعلى سلطة تشريعية ورقابية في البلد. وحددت المادة الاختصاصات الموكولة الى مجلس النواب والتي منها: “الرقابة على اداء السلطة التنفيذية”. والسؤال المطروح هنا هو: كيف يمارس مجلس النواب سلطته الرقابية؟
ونجد الجواب في تفاصيل وثنايا فقرات نفس المادة التي حددت الاليات الرقابية المتاحة لمجلس النواب وهي:
اولا، مساءلة رئيس الجمهورية بناءً على طلبٍ مسبب، بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب. وايضا توجيه الاسئلة الى رئيس مجلس الوزراء والوزراء، في اي موضوع يدخل في اختصاصهم، ولكلٍ منهم الاجابة عن اسئلة الاعضاء.
ثانيا، طرح موضوع عام للمناقشة، يقترحه ٢٥ نائبا في الاقل، لاستيضاح سياسة واداء مجلس الوزراء، او احدى الوزارات، ويقدم الى رئيس مجلس النواب، ويحدد رئيس مجلس الوزراء او الوزراء موعداً للحضور امام مجلس النواب لمناقشته.
ثالثا، الاستجواب، حيث يحق لعضو مجلس النواب، وبموافقة خمسةٍ وعشرين عضواً، توجيه استجوابٍ الى رئيس مجلس الوزراء او الوزراء، لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم، ولا تجري المناقشة في الاستجواب الا بعد سبعة ايام في الاقل من تقديمه. ويشمل هذا ايضا الحق في استجواب مسؤولي الهيئات المستقلة وفقاً للاجراءات المتعلقة بالوزراء.
ولم يذكر الدستور اليات رقابية اخرى غير هذه، وهي: الاسئلة، النقاش العام، الاستجواب. ولم يذكر القيام بجولات تفتيشية او رقابية في دوائر الدولة.
لكن المادة ٢٧ من قانون مجلس النواب ذكرت الية اخرى هي “القيام بزيارات تفقدية الى الوزارات ودوائر الدولة للطلاع على حسن سير وتطبيق احكام الدستور والقانون والانظمة والتعليمات والقرارات النافذة”. ومع اني لم اسمع عن قيام نواب في دول اخرى بمثل هذه الزيارات، فان الاسئلة التي وردت في ذهني هي: هل يحق لمجلس النواب ان يعطي لنفسه صلاحياتٍ واعمالا لم ينص عليها الدستور؟ وهل تعد “الزيارات التفقدية” عملا اضافيا لم ينص عليه الدستور؟ وهل يمكن للنائب ان يذهب الى الوزارات في اي وقت لتفقدها بدون تنسيق مسبق؟ وهل كان ذهاب النواب الى وزارة المالية “زيارة تفقدية”؟
في الحقيقة، ومع اني مع القول بضرورة تشديد الرقابة على دوائر الدولة وضبطها لمنع التسيب والفساد وما شابه، الا انني لا اجد ان من واجبات النواب “تفقد” دوائر الدولة بالطريقة التي تمت بها زيارة النواب المذكورين، بل ان مثل هذه الزيارات خارج اختصاصات مجلس النواب وصلاحياته، حتى وان نص عليها قانون اصدره مجلس النواب، فالمادة المادة (51) تقول: “يضع مجلس النواب نظاماً داخلياً له لتنظيم سير العمل فيه”، لكنها لم تجز لمجلس النواب ان يعطي لنفسه صلاحيات ووظائف لم ينص عليها الدستور.