سليم الحسني
لم يسبق أن شهدت الأوساط الجماهيرية ووسائل التواصل موجة من الاستياء مثل الذي يحصل مع سرقة أكثر من ملياري دولار من مصرف الرافدين. الاهتمام يبعث على الاستبشار بالخير من حرص الشعب على أمواله.
حتى الآن فان موجة الغضب الجماهيري تتحرك بدافع الصدمة، وأخطر ما في هذا النمط من الموجات أنها سريعة التراجع، سهلة النسيان. كما أن هذه الموجات معرضة للسرقة والالتفاف عندما يدخل مجالها السياسيون، فيستخدمون قدراتهم الاحترافية في التستر والتذويب حتى تتلاشى، فلا يبقى منها إلا عنوان مندثر في الذاكرة العراقية الخاملة.
بطل القضية هو الدكتور علاوي عندما كشف بعض ملفات الفساد، فقد خرج في مقابلة تلفزيونية على قناة العراقية يتحدث عن السرقات. وقد أجرى المقابلة معه الإعلامي كريم حمادي. لكن إدارة العراقية لم تبث المقابلة كما هي، إنما حذفت منها كلاماً مهماً تحدث به وزير المالية واستغرق قرابة ربع ساعة.
جرى حذف هذا المقطع بعد متابعة مكتب الوزير للمسؤولين على العراقية عن تأخرهم في بثها، فكان الجواب الأول بأن خللاً فنياً قد حصل أثناء التسجيل وأن المقابلة لم تعد صالحة للبث. لكن الدكتور علاوي أظهر استياءه لمكتب رئيس الوزراء، فاضطرت القناة الى بثها بعد حذف الجزء المهم.
بطل القضية هو الدكتور علي علاوي. أقول ذلك بعد أحاديث أجريتها معه، ودخلتُ في تفاصيل واسئلة واستفسارات وذلك بعد استقالته وعودته الى محل إقامته في لندن.
كانت الأحاديث موسعة وصريحة. بدأت عن المقالات التي كتبتها عنه وكانت جارحة الى حدّ ما، وشديدة الى حد كبير. لكنه كان متفهماً لما كتبت ليس من موقع الصداقة، لكن من منطق الموضوعية.
أنشر هذا المقال مقدمة لما سأكتبه عن هذه القضية وغيرها استناداً الى معلومات الوزير علاوي. لا أقول إن كل ما قدّمه لي سأنشره، إنما سيكون النشر لجزء منه لأسباب تتعلق بأمن بعض الأشخاص. ولا أقول إنّ كل ما يعرفه أوصله لي، فهناك الكثير من الملفات لا تزال عنده.
كانت مؤاخذتي عليه أنه لم يعط الموقف حقه كاملاً، وكان عليه أن يصدع بما يعرف من ملفات وخفايا. وكان جوابه:
(لستُ جباناً، لكني لستُ متهوراً) هذا ما قاله بنص العبارة.
فهمتُ منه أنه لا يرفض الحديث وكشف المعلومات. لكنه بحاجة الى سور من المخلصين يطمئن أنهم لن يخذلوه حين يأتي على مواطن الفساد وأصحابه. فلا يمكنه أن يخرج للعلن عاري الصدر، مكشوف الظهر. فالجيوش الالكترونية ووسائل التضليل التابعة للفاسدين ستبرع في إثارة أكوام التراب حتى تختفي الرؤية الواضحة.
لا أدافع حالياً عن الدكتور علاوي، ولا أتهمه، فذلك أمر يتوقف على ما سيقدّمه ويكشفه، لكن الموقف الأخلاقي يدعوني الى مساندته حين يتحدث وحين يقف في مواجهة سرّاق العراق. موقف مثل هذا مطلوب مني ومن غيري، لما نعرفه عن سطوة اللصوص وقدراتهم الخارقة التي تصل الى التشويه والقتل الصامت وإسكات القضاء.
١٧ تشرين الأول ٢٠٢٢