( كريم محمد خضير … الحياة اليومية أقرب تفسير لفلسفة الفن ) .
كتب / عبدالناصر عبدالامير
. بوابة ميسان نحو الأهوار .. الريف العراقي الخصب والاثار العتيقة والطبيعة الساحرة .. موطن الطيور والاسماك ، مدينة الزرع والمياه والناس البسطاء.. ميمونة القلب موطن الفنان التشكيلي كريم محمد خضير الذي تعرف على الواقع وابتعد عن الخيال رغم أحلامه الكثيرات حين وجد الأشياء تطابق تفكيره وشيئا فشيئا اقترب من رسم الأشياء من حوله ، وزاد ايمانه بهذه القضية حين اهداه معلمه في المرحلة الابتدائية علبة الوان خشبية مازال يتذكر شكلها ، وفي تلك المرحلة كانت له اهتمامات أيضا في فن النحت نمت وتطورت فيما بعد ، وعند انتقاله الى المرحلة المتوسطة بدأت ملامح مشروع الفنان التشكيلي المستقبلي تظهر على كريم اكدها مدرس الرسم الأستاذ منعم عبدالفتاح ( مصري الجنسية ) ، ولم يتوان بعدها من التقديم للدراسة في معهد الفنون الجميلة في البصرة حال تخرجه من الثالث المتوسط .. تأثر جدا بأساتذته في المعهد شاكر حمد وجاسم الفضل ومحمد عبدالله وكان يرى انهم من الرسامين الواقعيين المائزين ، وقبل ذاك سجل اعجابه الشديد بالراحل الكبير فائق حسن ، وفي المعهد صقل موهبته وشهادة الدبلوم التي حصل عليها في العام 1989 منحته الشرعية ليضع اسمه على خارطة الفن التشكيلي العراقي .
في العام 1992 عين معلما في مدرسة الميمونة الابتدائية .. وبسب ظروف اقتصادية معقدة انتقل الى سوق العمل في العاصمة بغداد وكان ذلك عام 1994-1999 عاد بعدها الى الميمونة وقد اضافت له بغداد تجربة مهمة جعلته متقنا لكل أدوات المدرسة الواقعية ، حيث عمل في سوق فني يلجه من يجد نفسه قادرا على المجاراة والتحدي ، وفي تلك الفترة استماله فن التصوير الفوتوغرافي وكان يرسم على صورة فوتوغرافية التقطها ويحاول ان يقترب من ادق تفاصيلها ، وفي العام 2010 نسب الى النشاط المدرسي في ميسان مشرفا فنيا وتمكن من المشاركة والتميز في اغلب المسابقات والمعارض الفنية التي اقامتها وزارة التربية ، ويشغل حاليا مسؤولية وحدة الفنون التشكيلية في النشاط المدرسي وله من المنجز الواقعي مايزين جدران دائرته وشوارع مدينته وعديد المدارس
خضير : المدرسة الواقعية .. مدرسة الشعب
إهتم الفنان التشكيلي كريم محمد خضير كثيرا بتفاصيل دقيقة لاكتمال لوحته من ابرزها اللون والشكل والحركة ، وتأثر جدا بالطبيعة ، كما انسجم مع محيطه البيئي ايما انسجام وانعكس ذلك على نتاجه ، وكان ينقل الموضوع كما هو دون رتوش لايمانه الشديد بالواقعية ، فهو يرى ان الاعمال الواقعية وسيلة مهمة للاتصال بالناس ، لذا نجده يردد دائما ان المدرسة الواقعية هي مدرسة الشعب .
اتجه بادواته الى الموضوعية فتمكن من تصوير يومياته على ماهي عليه دون رتوش ، فابتعدت اشتغالاته عن التعقيد واقتربت من تقديم لغة سهلة مباشرة
في اللوحة أعلاه صور لنا كريم خضير وجع الأمهات حين يفقدن أولادهن في الحروب ويتركون ايتاما بعمر الورد وكم من معاناة العوز والفقد .. هنا حاول ان ينقل الواقع بطريقة موضوعية بلا تعقيد او مبالغة وبلغة يفهمهما الجميع على عكس مدارس أخرى تؤمن بالانطباع والذاتية وغيرها
وكثيرا ماكان التشكيلي كريم محمد خضير يؤمن بأهمية التصوير الفوتوغرافي فقد كان موثقا جيدا للقطة ، وشخصيا شاهدته مرارا يرسم كثيرا على التقاطة له يحاول فيها الوصول الى الواقعية المفرطة في ان يرسمها مشابهة تماما الى اللقطة الفوتوغرافية .
واستمد كريم موضوعاته من بيئته مباشرة ، فتارة نراه يقدم لنا لوحة المرأة التي أعدت نفسها لزيارة الامام الحسين عليه السلام بعد ان نفذ اشتغالات المنظور والتضليل ووزع النور والظل بعناية انتقل بعدها الى الوجه وفي الوجه تكمن الحكاية .
ولعل خضير يعرف جيدا رسام الواقعية غوستاف كوربيه احد رواد الواقعية ولوحته الشهيرة كسارو الحجارة التي يظهر فيها رجل عجوز واخر شاب يقطعان الحجارة الى قطع صغيرة وهنا يسلط الضوء على معاناة من يعمل في هذه المهنة وهذه هي الرسالة ، وقد سلط كريم الضوء أيضا على لوحات مشابهة بالمعنى منها لوحة الام التي وفي حضنها ولدها الرضيع وتهم باعداد الغداء فيصور لنا معاناة الأمهات
مشوار نجاح
مشوار امتد لأكثر من أربعين سنة للفنان التشكيلي كريم محمد خضير الذي يعتبر نفسه ابن المدرسة الواقعية لانها الطريق السالك لفلسفة الفن .. استمد المواصلة من خلال تعرفه على بيئته فضلا عن تشجيع اساتذته وخبرة في سوق العمل منحته الأهلية لخوض غمار المنافسة في اعمال تلك المدرسة التي تنقل الواقع بطريقة موضوعية يفهمها الكل ، ويبقى كريم مدين لموطن التكوين الذي زرع في دواخله عشق الرسم ( ميمونة القلب ) .