“شهيد الكلمة والقرآن ، حكاية البطل الذي أبى الانحناء”
سمير السعد
“حتى الجالس على كرسيه قضى نحبه مشتبكًا ضد أعتى الطغاة.” بهذه الكلمات نودع رجلاً وقف شامخًا في وجه الظلم، متحديًا طغاة العصر الذين حاولوا قهر إرادته وكسر عزيمته. رجلٌ استمد قوته من بساطة الحياة ونقاء الروح، واتخذ من القرآن منهجًا ومن الموت سبيلًا لتحقيق العدالة.
لم يكن الكرسي الذي جلس عليه سوى رمزٍ لصمودٍ أسطوري، شاهدًا على مواجهة غير متكافئة بين النور والظلام. كان فكره الصلب وإيمانه الذي لا يلين سلاحًا أقوى من كل أسلحة أعدائه. خصومه كانوا أبناء القسوة والظلال، يعيشون في ظلام الإرهاب والتكفير، لكنهم فشلوا في النيل من روح أبت أن تنحني.
قبل أن يرتقي شهيدًا، كان يردد آية النصر والإيمان: “محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم.” لم تكن كلمات تلاها عبثًا، بل دستورًا ختم به حياته المليئة بالإصرار والثبات.
منذ قرونٍ طويلة، وأبناء الفكر المتطرف يتناقلون إرث القتل والدماء، يلوّثون أرواحهم بالكراهية والغل. لكن الشهيد كان مختلفًا؛ لم يخفهم ولم ينحني أمامهم. كان يدرك أن الله أعفاه من الجهاد الجسدي، لكنه اختار أن يخوض معركة الفكر والروح، مؤمنًا أن الموت بشرف أسمى من حياة الذل.
جميل الحسن، الذي لا جميل فيه ولا حسن، كان رمزًا للقبح والقسوة، وجهه المظلم ورائحته الكريهة كشفت بشاعة الطغيان. حاول هذا الجلاد النيل من كرامة الشهيد بكلماته المسمومة، لكنه واجه ردًا مختلفًا. جاءت شيبة الشهيد المكللة بالوقار لترد بابتسامة عنفوان وكبرياء هزّت جبروت الطغاة. ابتسامة حملت رسالة واضحة: “أين التغيير الذي تزعمونه يا أبناء الطلقاء؟ أين وعودكم التي لم تخلفوا منها سوى الخراب؟ نحن نموت بكرامة، وأنتم تعيشون بالذل.”
مشهد استشهاده كان صرخة مدوية في وجه الطغيان. حاولوا إذلاله، لكنه رفع رؤوس الأحرار جميعًا. ظنوا أن الموت سيكسر صوته، لكنه حول استشهاده إلى منبرٍ للحق والكرامة، ليذكرنا أن مقاومة الباطل لا تحتاج سوى إرادة صادقة وثبات على المبادئ.
إلى كل من تبقى حيًا ، تذكروا كلمات الشهيد الأخيرة: “اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى.” لم تكن مجرد دعاء، بل رسالة أمانة لأجيال قادمة. الحياة ليست بعدد الأيام، بل بمواقفنا في وجه الظلم.
أيها الشهيد، نم قرير العين، فذكراك أكبر من أن تُنسى، واسمك محفور في سجل الخالدين. تلك الدماء التي أريقت لن تكون عبثًا، بل ستظل شاهدة على صراعٍ أزلي بين الحق والباطل، وستكون مصدر إلهام لكل من يرفض الانحناء أمام الطغاة.
إلى الظالمين وأعوانهم، اعلموا أنكم وإن أسكتم صوت هذا البطل، فإن كلماته ستظل تطرق مسامعكم كالرعد. أرادتم أن تصنعوا منه درسًا في الخوف، لكنه تحول إلى درس في الشجاعة. اعتقدتم أنكم تخمدون شعلةً، فإذا بها تشتعل في قلوب الملايين، وتصبح نبراسًا للحرية والكرامة.
إلى الأحرار في كل مكان، تذكروا أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع. تذكروا أن هذا الشهيد لم يكن مجرد فرد، بل كان فكرةً ومبدأً، وهما أقوى من أي سلاح أو طاغية. لقد علمنا أن الثبات على الحق، حتى وإن كان الثمن الحياة، هو الطريق الوحيد لصنع التغيير الحقيقي.
أخيرًا، إلى الأمة التي أنجبته ، كوني على قدر إرثه. لا تتركي دمه يضيع هباءً، بل اجعليه وقودًا لاستكمال المسيرة. فالمعركة بين الظلام والنور لم تنتهِ، وما تركه الشهيد من إرث هو مسؤولية الجميع.
رحم الله هذا الشهيد، وأسكنه فسيح جناته، وجعلنا من الذين يحملون راية الحق من بعده، حتى يتحقق وعد الله بالنصر لعباده الصالحين.