ملك الأردن وترامب بين الخطاب والموقف الحقيقي

ضياء أبو معارج الدراجي
يُحكى أن رجلًا كان يُجاهر بقوته أمام الناس، يتباهى بشجاعته، ويتحدث عن قدرته الفائقة في القتال، حتى أصبح حديث القرى والمجالس. لكن مع كل هذه الادعاءات، لم يبرهن يومًا على قوته عمليًا، وظل مجرد “كلام بلا فعل”.
وذات يوم، جاء إلى القرية رجل ضخم الجثة، سمع عن هذا الرجل المغوار وأراد أن يختبر قوته بنفسه. وقف أمامه متحديًا وقال:
“إن كنت رجلًا كما يقولون، فلنصارع بعضنا البعض!”
في تلك اللحظة، لم يعد أمام صاحبنا مجال للهروب، لكنه كان أجبن من أن يواجه. فكر بحيلةٍ تُبعده عن النزال الخاسر، فقال للرجل الضخم:
“أنا لا أقاتل الضعفاء، عليك أن تُثبت قوتك أولًا حتى تستحق مصارعتي.”
فأجابه الرجل الضخم:
“أنا لدي طريقة خاصة، عندما أنام مع أي امرأة، أجعلها تطلق ريحًا بصوتٍ عالٍ.”
ذُهل صاحبنا من الإجابة، لكنه رأى فيها فرصة للهرب، فقال له:
“حسنًا، لدي ابنة قوية جدًا، إن استطعت أن تجعلها تطلق ريحًا، سأعترف بقوتك وأصارعك!”
وبالطبع، لم يكن الرجل يريد سوى المماطلة والهروب، فأمر ابنته أن تضع حبة تمر في مؤخرتها لتمنع خروج الريح أثناء الممارسة.
لكن كما يقال، لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن… فبمجرد أن بدأ الرجل الضخم فعلته، انطلقت الريح بقوة، ومعها خرجت حبة التمر كالرصاصة، واستقرت في عين والدها الذي كان يراقب المشهد، ففقد بصره وركض مولولًا من شدة الألم، بينما كانت فضيحته تتردد في كل أرجاء القرية!
هذه القصة الرمزية تلخص تمامًا ما جرى بين ملك الأردن وترامب.
لسنواتٍ طويلة، كانت وسائل الإعلام تُصوّر الملك عبدالله الثاني على أنه المدافع الشرس عن القدس وفلسطين، و”حامي المقدسات” الذي يقف في وجه الاحتلال الإسرائيلي. وكانت التصريحات النارية لا تتوقف، حتى ظنّ البعض أنه بالفعل زعيمٌ لا يُقهر.
لكن حين جاءت اللحظة الحاسمة، وحين وقف وجهًا لوجه أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سقط القناع، وظهر الضعف الحقيقي.
تمامًا كما فعل الرجل الجبان في القصة، لم يملك الملك الأردني الجرأة ليواجه ترامب، ولم يجد وسيلة سوى التنازل والمراوغة، مقدمًا القضية الفلسطينية قربانًا لحماية عرشه.
عندما طرح ترامب “ترحيل الغزاويين”، كان المطلوب موقفًا قويًا من الدول العربية، وخصوصًا من الأردن الذي طالما ادّعى أنه في مقدمة المدافعين عن حقوق الفلسطينيين.
لكن ما حصل كان خنوعًا كاملًا… فبدلًا من المواجهة، رأينا الملك من أوائل من صافحوا ترامب واستقبلوا وفوده. وحين بدأ الاحتلال الإسرائيلي بفرض خطته على الأرض، لم يجد الفلسطينيون من “حامي المقدسات” سوى كلمات فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع.
تمامًا كما في القصة، حاول الملك أن يُراوغ بالتصريحات الإعلامية، لكنه لم يمنع خروج الحقيقة، ولم يوقف سقوط الفضيحة.
لم تقتصر الخيانة على السكوت عن الصفقة، بل وصلت إلى استقبال الأردن للفلسطينيين الذين طُردوا من غزة بضغطٍ أمريكي وإسرائيلي.
هذا المشهد يُعيدنا إلى ذلك الرجل في القصة، الذي قدّم ابنته قربانًا ليحمي نفسه من الهزيمة. كذلك فعل الملك، حين قدّم اللاجئين المرحّلين ككبش فداء، متظاهرًا بأنه مجبرٌ على ذلك، بينما الحقيقة أنه متواطئ ومستفيد من المخطط الكبير.
الفرق بين الزعيم الحقيقي والحاكم الصوري، هو أن الأول يصمد ويقاوم، بينما الثاني يراوغ ويتنازل.
الأردن كان يُسوّق نفسه كخط الدفاع الأول عن فلسطين، لكن حين جاءت المواجهة الحقيقية، لم يكن أكثر من واجهة إعلامية بلا أي تأثير. وكما في القصة، لا يمكن لحبة تمر أن تُخفي الحقيقة إلى الأبد، فالتاريخ يسجل، والشعوب تُدرك، والمواقف الفعلية هي التي تبقى، وليس الشعارات.
تمامًا كما خرج ذلك الرجل مُهانًا وفقيع العين، خرج ملك الأردن فاقدًا لهيبته، بعدما تبين للجميع أنه لم يكن يومًا سوى تابعٍ، لا أكثر ولا أقل.
ضياء ابو معارج الدراجي
اترك تعليقاً